العلوم الإنسانية الغربية وليدة القطيعة الحداثيةمع الدين
الملخص
أدَّت التَّحوُّلات الكبرى الَّتِي مرَّت بها المُجْتَمَعَات عبر التَّاريخ، مثل: الحروب، والثَّورات، والاكتشافات العلميَّة، والتَّطوُّر التّقنيّ والتّكنولوجيّ، والعوامل البيئيَّة. إِلى تغييرٍ كبيرٍ في نمطِ حياةِ النَّاس، وفي طرائقِ تفكيرهِم. حيث شهدت أوروبا أربعة أحداث كبرى متعاقبة ستترك تأثيراتها العميقة على حياة النَّاس، وعلى طرائق تفكيرهم وحتَّى على أُسُس العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة ومنطلقاتها ونظريَّاتها. وستكون تلك الأحداث والتَّحوُّلات على الشَّكل الآتي: الانقلاب على الكنيسة، الحروب الدينيَّة في أوروبا الَّتِي استمرَّت نحو 130عامًا، الثَّورة الفرنسيَّة في نهايات القرن الثّامن عشر، الثَّورة الصِّناعيَّة في بريطانيا ثمَّ في معظم أوروبا.
قامت "عقلانيَّة" عصر النَّهضة على أنقاضِ نظرة غيبيَّة وتفسير غيبيّين لشؤونِ الحياةِ والطَّبيعة، فرضتها الكنيسة على النَّاس، وأرادت تلك "العقلانيَّة" أن تثبت أنَّ بإمكان العقل وحده معرفة الحقيقة، وإليه دون سواه يجب أن نرجع في تفسير الظَّواهر الطَّبيعيَّة وحتَّى الإنسانيَّة. وذلك ما ستتبنَّاه نظريَّات علم الاجتماع الَّتِي ظهرت إِلى الوجود في تلك المرحلة، والَّتِي عَدَّت أنَّ فهم الإنسان يجب أن يخضع للمنطق نفسه الَّذِي تخضع له دراسات "المادَّة" في العلوم الطَّبيعيَّة والفيزيائيَّة.
لكن ذلك الادِّعاء لن يقود السوسيولوجيا إِلى "تصميم العالم بشكلٍ أفضل"؛ بل على العكس سيؤدِّي ذلك كلّه إِلى فقدانِ الثِّقة بتلك السُّوسيولوجيا الَّتِي التزمت قواعد الخطاب العلميّ التزامًا أعمى، وأبقت المبادئ الأخلاقيَّة خارج سرديَّاتها، وحوّلت الفعل الاجتماعيّ إِلى شيءٍ مُحايد لا علاقة له بالإيمان ولا بالخير، أو الشَّرّ، وإِلى شيء يمكنُ قياسه وفق معايير إجرائيَّة لا وفق قيم أخلاقيَّة.
وتفاقم الصِّراع المعرفيّ داخل النّسق السُّوسيولوجيّ، وانقسم المشهد السّوسيولوجيّ بين مُؤيِّدي "الكم" ومُؤيّدي "الكيف"، حتَّى أصبح موضوع علم الاجتماع في القرن العشرين هو الصّراع الدَّاخليّ حول أفضل منهج، وأحسن أداء وأسلوب، وغاب الهدف الرَّئيس لفهم المجتمع داخل غبار المعركة.
