الدين في العملية الحضارية بين الإسلام والغرب
الملخص
تتجلّى ماهيّة الحضارة الإسلاميّة عندما تتّضح أوجه الشَّبه والتَّمايُز بينها وبين الحضارات المنافسة. وأحد الحضارات المنافسة للحضارة الإسلاميّة، الحضارة الغربية الّتي تختلف اليوم مع الحضارة الإسلاميّة بشكلٍ جذريّ، كما أنّ هناك فروقًا مُهمّة في مسار تشكّلها وماضيها عن تشكّل الحضارة الإسلاميّة. وإنّ ما تتمحور حوله هذه المقالة وتؤكّده هو، الدراسة المقارنة لتاريخ تشكّل الحضارتَيْن: الغربيّة والإسلاميّة واختلافاتهما الجذريّة في مسارهما التَّاريخيّ. ولا تبحث هذه الدراسة المقارنة جميع العناصر الحضاريّة؛ بل تركّز حصرًا على عنصر الدّين ومكانة الدّيانة المسيحيّة في الحضارة الغربيّة والدّيانة الإسلاميّة في الحضارة الإسلاميّة، وتعمل على دراسة ذلك في ثلاث مراحل؛ التأسيس، والنّموّ، والأفول في كلٍّ من الحضارتين. وفي هذه المقالة، تمّ تفسير مصير الحضارة الإسلاميّة بشكلٍ مختلفٍ تمامًا عن تاريخ الحضارة المسيحيّة، وسيتمّ لحاظ تاريخ هذين الديانتين في هاتين الحضارتين، بوصفهما أحد نقاط الارتكاز في التَّفاوت بين هاتين الحضارتين.
من الجدير ذكره أنّ مسار الثّورات الدينيّة، والعلميّة، والسّياسيّة والصّناعيّة في الغرب، وكذلك عمليّة العلمنة في تلك الحضارة والاتّجاهات الأرضيّة لإيجاد إنسان جديد؛ كانت مقتصرة على الحضارة الغربيّة؛ ولم تخض الحضارة الإسلاميّة في ظهورها وتوسّعها مثل تلك العمليّة، لا في العلمنة ولا في التَّصنيع ولا في التَّسييس.
إنّ عمليّة تشكُّل الحضارة الغربيّة واختلافاتها مع الحضارة الإسلاميّة، أولًا أنّ الدِّين كان أمرًا عرضيًّا بالنّسبة إلى الغرب؛ في حين أنّه في الحضارة الإسلاميّة كان من جوهر الحضارة، ولم يكن هناك من تحدٍّ مع أصل وجوده. لم تكن عمليّة تكوّن الحضارة الغربيّة ومراحل تشكّلها، بعمليّةٍ معنويّة؛ بل كانت مادّيّة ودنيويّة؛ في حين لجأت الحضارة الإسلاميّة إلى نوعٍ من الرّوحانيّة الصُّوفيّة والعرفانيّة، ولم يفصل مسارها الحضاريّ عن الجوانب السّماويّة في أسوأ الظروف.





