العلماوية الكئيبة
الملخص
ربّما لم تظهر حضارةٌ في التّاريخ أكثر لبسًا وتعقيدًا من حضارة الغرب الحديث، فهي لمَّا اتّخذت العلم دربًا لسعادتها، لم تلبث برهة حتّى كشفت عن شقاء إنسانها، بعد أن أحالته عبدًا لوثنيّة رأس المال. وما قولنا هذا إلّا للوقوف على المعنى المستتر لحداثات حَجَبتها غوايات الثّورة التّقنيّة، فأدخلتها كهف اللَّامعنى. إنّ الذين عدّوا "نقض الرّوحانيّة" صفة رئيسة للأزمنة الحديثة، إنّما رموا الإشارة إلى المعضلة الكبرى التي أمسكت بالعقل الحديث، حتّى صارت له داءً مستحكمًا. فإذا كان نقضُ المطلقِ هو المبدأ المؤسِّس لعقيدة الحداثة بأطوارها المتعاقبة، فذلك معناه أنّ العلوم الحديثة بنزعاتها ومدارسها المختلفة -من الاسميّة والوجوديّة والذّاتيّة، إلى النّفعيّة والوضعانيّة واللَّاأدريّة، ناهيك عن العِلمويّة– باتت أشبه بوثنٍ صلدٍ يُهيمن على عقل الحضارة الحديثة وروحها.
لذلك؛ جاز القول إنّ التّشاؤم المنغرس في الحياة الحديثة هو الحاصل الكارثيّ لنزعات عِلمويّة، أُريدَ لها أن تصير بديلًا من المطلق والمتعالي. أمّا النّتيجة المترتِّبة على هذا المسار، فهي حرمان الإنسانيّة من تفاؤلها بالرّجاء المأمول، ثمّ ولوجها في ظلمات العدميّة واللَّاجدوى. فعندما تكون حالة الإنسان المعاصر محدّدةً حصرًا بإشباع الرّغبات النّفسيّة والبيولوجيّة، فالحصيلة المنطقيّة لهذه الحصرية المُنْخَنِقة هي تناهي الحياة عند أسوار الأهواء العارضة.
