الاحتلال الذاتي آليات الاستتباع الناعم للقوى الغربية
الملخص
ما سنتعرّض له في هذا البحث هو كيف يتمّ إعادة إنتاج التّابع ليولّد قوّة للمستعمر، فننظر إلى الاستتباع هنا بما هو منشأ قوّة وليس ناتج قوّة؛ بينما يمكن أن نطلق عليه مع بعض التَّجاوز: الاحتلال الذّاتيّ. تطوّرت التجربة الاستعماريّة وانتظمت ولم تعد مجرد قوّة خارجيّة تقتحم المساحات المستهدفة؛ بل باتت تستمد قوّتها من البِنَى القائمة في تلك الجغرافيّات نفسها، وهذا ما نشهده اليوم في هذه المرحلة المُتقدّمة من الاستعمار الحديث، مع أجيال عدة وجديدة من التّابعين والخاضعين، ومع تطور كبير في شكل وأدوات الاستعمار ينسجم مع تطور التّكنولوجيا الّتي باتت تنتشر بشكل غير مسبوق حول العالم كلّه.
والسُّؤال الأساس الّذي سنجيب عنه: هل يُشكّل الاستتباع النّاعم قوةً لدول الهيمنة؟ وكيف يتمّ استخدام نتائج الاستتباع في إعادة توليد القوّة النَّاعمة؟ سنتحدث في الإجابة عن هذا السُّؤال عن النّخب المحلّيّة التَّابعة، النّخب الَّتي تعمل في المؤسّسة الاستعماريّة، وكيف تصنع قوّة الاستعمار الحديث من خلال قيامها بعنصرين أساسيّين من وظائف الهيمنة وفعاليّاتها، هما: الرَّقابة، والتَّدخّل.
تقوم عمليّة الاستتباع وتستمرّ مستندةً إلى فئة شديدة التَّبعيّة، وقد قاربنا النَّتائج الواقعيّة لعمليّة الاستتباع الَّتي تبدأ من استنطاق ميراث القدرة العسكريّة وصولًا إلى نمط الحياة والثَّقافة والتَّعليم؛ لتشكِّل عبر ذلك فئةً شديدة التَّبعيّة تضمن بجهدها وسعيها استمرار الاستتباع ودوام الهيمنة. إنّ ما تجنيه الهيمنة الاستعماريّة من موارد وأرباح نتيجة تسلّطها، يوفّر لها، من ناحية أخرى، التَّمويل الكافي لتشغيل تلك الأدوات المحلّيّة، فتكون الأموال الَّتي تتدفّق إلى تلك الفئات الشَّديدة التَّبعيّة ليست شيئًا آخر سوى أموال الشعوب الَّتي تمّ استنزافها، فتصبح عمليّة الاستتباع شبه محلّيّة بالكامل لناحية التَّشغيل والتَّمويل، وهذا هو الاحتلال الذَّاتيّ.





