الأخلاق الماديّة ومطرقة "نيتشه" الجينيالوجيّة
الملخص
يسعى هذا البحث إلى قراءة متأنِّية للهدم الجينيالوجيّ للأخلاق الذي مارسه الفيلسوف الألمانيّ "فريدريك نيتشه" (Friedrich Nietzsche)، الأمر الذي يُحفّزنا على البحث في أصلِ تحوّلاتنا الأخلاقيّة وقِيَمها والمبادئ التي ترسم الحالة الرّاهنة للأخلاق من خلاله، والبحث في فلسفته الأخلاقيّة، لتكون مقدّمة تحمل مفاتيح إشكاليّتنا الأخلاقيّة الرّاهنة وقِيَمها. وقد انطلقنا من منظور يهدف إلى إقامة مقاربة بين قِيمنا الأخلاقيّة الرّاهنة والأخلاق التي حمل "نيتشه" -قبل حوالي ثلاثة قرون- معوَله الجينيالوجيّ لتحطيم وجهَيها الدّينيّ والفلسفيّ، لنرافقه في رحلته الأخلاقيّة ونُعيد قراءة تسويغه لهذا الهدم والكيفيّة التي يوضّح فيها نسقه التّفكيكيّ لتاريخ الأخلاق والحضارة والثّقافة، ومحدّدات القِيَم الأخلاقيّة وعلاقتها بسلطة اللّغة ومن يملكها.
وفي خاتمة البحث خلصنا إلى كيفيّة تحوّل الحداثة إلى تضخّم مفرط للنّزعتين المادِّيّة والاستهلاكيّة، فتشيَّأ الإنسان، وجرى تسليعه بحكم سيادة منطق الرّأسماليّة المتوحّشة التي أحالت البشر إلى مجرَّد آلات مُسخَّرة لتحقيق فائض الإنتاج اللّازم لاستمرار المنظومة الاقتصاديّة، التي تُسيطر عليها فئة قليلة مِنَ البشر وتفرض قِيَمها الأخلاقيّة، فهي تملك سلطة الكلمة والمعنى، وتاليًا أنساقها القِيَميّة -بالمنظور النّيتشويّ- التي عزّزت الفردانيّة والرّغباتنيّة. وعليه، حلّ الأنا "أُريد" وقِيَمها الأخلاقيّة المادِّيّة بدل الأنا "أُفكّر" وإدراكاتها المعقولة البَعديّة.